روابط المواقع القديمة للحزب
بين "رحى" النظام الاستغلالي
انتهت "عصا" سباق تتابع التدخل الإمبريالي في روسيا البيضاء

في 10 آب \أغسطس، أي بعد يوم من الانتخابات الرئاسية البيلاروسية الأخيرة، رست ناقلة بـ 76 ألف طن من النفط الخام الأمريكي في ميناء مدينة كلايبيدا الليتوانية، بناءاً على طلب من "آخر ديكتاتور في أوروبا" وفقاً لتسمية ألكسندر لوكاشينكو المعتمدة من قبل وسائل إعلام غربية. كانت تلك ثاني شحنة أمريكية تتلقاها بيلاروسيا. حيث كانت قد استلمت بداية الصيف 77 ألف طن عبر شبكة السكك الحديدية في الميناء ذاته. و كانت بيلاروسيا تتدارس استلام النفط الأمريكي أو السعودي عبر الموانئ البولندية كجزء من "كسر اعتمادها" على النفط الروسي. و كان ذلك ما جرى التوصل إليه خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى بيلاروسيا في شباط\فبراير الماضي. و بالطبع و بعد التطورات الأخيرة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية، تبدو كل هذه الخطط معلقة في الهواء. أو ربما لا؟ لكن دعونا نلقي نظرة على بعض معطيات بيلاروسيا. |
![]() |
معارضو لوكاشينكو يحملون علم الدولة القديم الذي كان يستخدم أثناء فترة الاحتلال الألماني
|
عن بيلاروسيا
يبلغ عدد سكان هذا البلد حوالي 10 ملايين نسمة. تحده من الغرب ثلاث بلدان من أعضاء الاتحاد الأوروبي (ليتوانيا، ولاتفيا، وبولندا)، ومن الجنوب أوكرانيا، ومن الشرق روسيا. و تعتبر أكبر دولة حبيسة في أوروبا، لا تطل على البحر.
![]() |
نشأت من تفكك الاتحاد السوفييتي و "ورثت" عنه بنىً تحتية متطورة للإنتاج الزراعي و الحيواني والصناعي. وهي تحافظ على علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وثيقة للغاية مع روسيا. و كانت قد أبرمت اتفاقاً معها لإنشاء دولة موحدة، ولكن و على الرغم من "خرائط الطريق" المختلفة التي تم إقرارها فإن مصير هذه العملية متواجد في أجَلٍ غير مسمَّى. و تشارك بيلاروسيا في الاتحادات الإقليمية، التي تمثل روسيا "قاطرتها"، ﻛ "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي" و "منظمة معاهدة الأمن الجماعي". |
وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في لحظة نشوة مع رئيس بيلاروسيا، ألكسندرلوكاشينكو، أثناء لقائهما في مينسك في شباط\فبراير من هذا العام |
هذا و بعد اقتراح من ألكسندرلوكاشينكو في استفتاء (1996) جرىنقل يوم "الاستقلال" من 27/7 (يوم خروج البلاد من لاتحاد السوفييتي) إلى 3/7 الذي هو يوم تحرير الجيش الأحمر للعاصمة مينسك (3\7\1944) خلال الحرب العالمية الثانية التي كانت بيلاروسيا قد فقدت فيها ثلث سكانها.
عن علاقاتها مع روسيا والصين
تعتمد بيلاروسيا بدرجة كبيرة على مصادر الطاقة الروسية وتلعب دوراً مهماً في تصدير الهيدروكربونات الروسية إلى أوروبا.
حيث كانت قد"ورثت" عن الاتحاد السوفييتي جزءاً كبيراً من أنابيب النفط والغاز التي كان يُصدّر منها نحو 50٪ من النفط الروسي و 30٪ من الغاز الروسي سنوياً إلى أوروبا.
و في الوقت نفسه، فهي تحقق عائدات كبيرة من معالجة النفط الخام الروسي، حيث تمتلك مصافي تكرير كبيرة تنتج البنزين والديزل الذين يعاد بيعهما إلى الدول الأوروبية، مما يؤمن ما يصل إلى 25٪ من إيرادات الموازنة العامة للدولة (8 مليارات يورو سنوياً). كما تلقت سلسلة من المساعدات المالية والقروض من روسيا، و هي التي تمثل حالياً 40٪ من ديونها الخارجية، بينما تعتبر الصين ممولها الثاني (26٪). و في الوقت نفسه، تعد روسيا المستورد الرئيسي للمنتجات البيلاروسية (كالألبان والجرارات والحافلات)، بينما تعد الصين ثاني أكبر مستورد منها.
هذا و ينحدر أصلالمستثمرين الأجانب الرئيسيين ضمنها، في عام 2019 من روسيا بنسبة (44.2 ٪ من جميع الاستثمارات)، و من ثم بريطانيا (19.7٪)، وقبرص (6.6٪) تباعاً، أي من بلدان ينشط فيها الرأس المال الروسي بقوة.
و تنظر الصين إلى بيلاروسيا على أنها "المحطة الأخيرة" في "طريق الحرير" قبل وصولهالاتحاد الأوروبي، حيث استثمرت الصين ضمنها في السنوات الأخيرة وتمول اقتصادها من أجل صالح احتكاراتها.
هذا و تذكرنا العلاقات البيلاروسية الروسية على مدار الـ 26 عاماً الماضية، والتي كان خلالها ألكسندر لوكاشينكو رئيساً للبلاد،بالتناوب بين"الدوش البارد والساخن". فمن جهة، برزت بيلاروسيا كأقرب "حليف" لروسيا. و من جهة أخرى، انخرط البلدان في سلسلة من "الحروب" التجارية على مر هذه السنين. و ذلك من أجل تعريفة عبور الهيدروكربونات الروسية، أو من أجل الأسعار التي تشتري بها بيلاروسيا الهيدروكربونات الروسية، و طوراً من أجل أسعار صادرات منتجات الألبان البيلاروسية إلى روسيا (تعتبر وسائل الإعلام الروسية أن الدولة البيلاروسية تدعم إنتاجها بدرجة أكبر من دعم الدولة الروسية نظيراتها، مما أدى إلى قيام منافسة غير متكافئة للشركات الروسية المعنية). بينما تركز وسائل الإعلام البيلاروسية الموالية للحكومة على تطلعات الرأسمال الروسي "للوصول" إلى قطاعات اقتصاد البلاد التي لم تتم خصخصتها بعد.
لقد قوَّض ألكسندر لوكاشينكو مراراً وتكراراً خطط روسيا لتعميق التوحيد الرأسمالي لبلدان الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، و ذلك على سبيل المثال، حين قام بتفجير خطط اعتماد العملة الموحدة. و في القمةالأخيرة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي (أيار\مايو 2020)، أعاقت بيلاروسيا وأرمينيا الاقتراح الروسي بشأن "تنمية استراتيجية حتى عام 2025" و أبرزتا الحاجة في المقام الأول إلى توحيد أسعار الهيدروكربونات على أراضي اﻹتحاد.
و علاوة على ذلك، لم يدعم لوكاشينكو روسيا في قرارات سياسية حاسمة، كقرار دمج القرم إلى الاتحاد الروسي، أو في العملية العسكرية الروسية في أوسيتيا الجنوبية أو في سوريا.
هذا و أدركت روسيا طوال هذه السنوات، أهمية تحالفها الاستراتيجي مع بيلاروسيا التي تمثل عائقاً أمام "احتضان" الناتو للأراضي الروسية، ومن ناحية أخرى فهي "أراض صديقة" متواجدة في أقصى الغرب والتي تعبر من خلالها روسيا نحو "جيب" كالينينغراد، وكذلك فهي "معبر" هيدروكربوناتها نحو أوروبا. و كانت تتفهم محاولات الطبقة البرجوازية البيلاروسية وقيادتها للمناورة و المساومة حول شروط أفضل في عملية التوحيد الرأسمالي الجارية فوق أراضي الاتحاد السوفييتي السابق، ومع ذلك فقد اعتبرت الهوامش الجيوسياسية لهذه المناورات محدودة للغاية. حيث لم تغِب لحظات ظهر فيها فقدان الجانب الروسي لبرودة أعصابه ضمن "المساومة" كما حدث صيف عام 2002، عندما اقترح بوتين تفكيك بيلاروسيا إلى 7 مقاطعات و إدماجها في الاتحاد الروسي. .
عن مخططات الإمبريالية الأورو-أطلسية
من الواضح أيضاً أن للرأسمال الغربي (الأوروبي والأمريكي) مطامع طويلة الأمد، و هي التي وجدت خلال رئاسة لوكاشينكو صعوبة في التغلغل البلاد أكثر من الرأس المال الروسي والصيني.
هذا و كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ينظران إلى بيلاروسيا على مدى أعوام للآن على أنها "فاكهة مُحرَّمة". و هكذا ضغطوا على لوكاشينكو لكي "يفتح" بلاده للغرب، و ليمضي قدماً في "إصلاحات" سياسية و اقتصادية. و ضغطوا على مدى عقود تارة باستخدام "الجزرة" (انظر "شراكة الاتحاد الأوروبي الشرقية") و طوراً و بنحو رئيسي من خلال "السوط" عبر تمويل وتدريب قوى المعارضة وفرض عقوبات على القيادة البيلاروسية، و نشر وتعزيز قوى الناتو على حدودها. حيث لم تكن لهذه المحاولات نتيجة مرئية، حتى أن تقارير الاتحاد الأوروبي الأخيرة احتوت تقديرات تقول بعدم توقع حدوث تغييرات سياسية فورية في هذا البلد.
و في نفس وقت تعزُّز الأزمة في جميع أنحاء العالم الرأسمالي، و احتدام حدة العلاقات التي لوحظت بين بيلاروسيا و روسيا، جرت محاولة من الولايات المتحدة لاستغلال لذلك. كشيء مشابه، لما تفعله روسيا مع تركيا، مستفيدة من زعزعة علاقات اﻷخيرة مع الولايات المتحدة.
ففي شباط\فبراير 2020، زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بيلاروسيا، مصرحاً أن الولايات المتحدة يمكنها تلبية 100٪ من احتياجات الطاقة في بيلاروسيا من الهيدروكربونات. حيث صرح ألكسندر لوكاشينكو أن بلاده ستخفض واردات النفط والغاز الروسية إلى 30-40٪ من احتياجاتها بالانتقال إلى شراء نفط أمريكي و حتى سعودي. هذا و أُصحبت زيارة بومبيو بخطوات ملموسة، كما كتبنا سلفاً، أي بحلحلة العقوبات الأمريكية المفروضة على بيلاروسيا، لا برفعها. و كانت لهذه الزيارة أهمية سياسية أكثر من أهميتها اقتصادية. وأظهرت أن القيادة البيلاروسية تسعى إلى استخدام تقاربها مع الولايات المتحدة "كأداة" للضغط على روسيا.
عن سياسة لوكاشينكو والحركة الشيوعية
قبل ستة وعشرين عاماً، حيَّت الحركة الشيوعية في بيلاروسيا تبوء لوكاشينكو موقع الرئاسة ورفضه إيلاج البلاد في الناتو والاتحاد الأوروبي، ورفضه "تعليمات" صندوق النقد الدولي لإجراء إصلاحات سوق سريعة. كما و حيَّت تصريحات الرئيس المؤيدة للعهد السوفييتي، لكن الحركة أبدت في الوقت نفسه موقفاً حذراً وناقداً لسعي لوكاشينكو تعزيز سلطاته في مواجهة البرلمان و انزلاقه نحو أسلوب إدارة شخصي وسلطوي مضطرد.
و على هذا الأساس جرى انقسام في حزب شيوعيي بيلاروسيا، الذي انضم إلى المعارضة، في حين أن الحزب الشيوعي البيلاروسي الذي نشأ من الانقسام، لا يزال حتى اليوم يدعم ألكسندرلوكاشينكو. هذا و تطور حزب شيوعيي بيلاروسيا إلى حزب اشتراكي ديمقراطي، غير اسمه في نهاية المطاف إلى "الحزب اليساري البيلاروسي- العالم العادل" وانضم إلى "حزب اليسار الأوروبي". و على العكس من ذلك، يُشارك الحزب الشيوعي البيلاروسي في اللقاءات اﻷممية للأحزاب الشيوعية و في اتحاد اﻷحزاب الشيوعية – الحزب الشيوعي السوفييتي، و يدعم لوكاشينكو دون تحفظ، ولديه 11 من أصل 110 نائباً، في حين أن كوادر له تبوئت مناصب حكومية، كسكرتيرها الأول السابق، إيغور كاربينكو، الذي يشغل الآن منصب وزير التعليم. و تملك أحزاب أخرى من الاتحاد السوفييتي السابق، كالحزب الشيوعي للاتحاد الروسي، و اتحاد اﻷحزاب الشيوعية – الحزب الشيوعي السوفيتي الذي يشكل صيغة تعاون، مواقف مماثلة في هذا الشأن، و هي اﻷحزاب التي تستند إلى الاستراتيجية القديمة للحركة الشيوعية اﻷممية ذات "المراحل" و القائلة بالمشاركة "في حكومات "يسار الوسط" داخل أطر النظام الرأسمالي على أساس قطاع دولة قوي يمارس "الرقابة "و"إصلاح" السوق.
و بالتأكيد، فإن الواقع الرأسمالي في بيلاروسيا، حيث لا يزال جزء كبير من الاقتصاد في أيدي الدولة، هو واقع لا يرحم. حيث تتقلص و تتبخر المكاسب التي كانت موجودة في عهد الاتحاد السوفييتي، و ربما بإيقاع أبطأ من البلدان الأخرى. و على هذا النحو، فقد رُفع على سبيل المثال حد سن التقاعد في هذا البلد أيضاً، كما و جارٍ أيضاً تسليع الحاجات الاجتماعية، كخدمات الصحة والتعليم. و يُجبر آلاف البشر على ترك موطنهم للبحث عن عمل في روسيا وبولندا وليتوانيا وجمهورية التشيك و سواها. هذا و تظهر الأرقام الرسمية أن حوالي 60٪ من العمال يعملون حالياً في مؤسسات غير مملوكة للدولة، وهي نسبة أعلى من النسبة المقابلة لها في روسيا. و في الواقع و مقارنة بما كان الوضع عليه قبل 20 عاماً، فإن هذا التحول و صعود القطاع الخاص هو جلي، فضلاً عن زيادة التفاوتات الاجتماعية في البلاد. ففي عام 2020 وحده، تتواجد عشرات المؤسسات على قائمة الخصخصة.
و يُذكر أن هناك قوى شيوعية أخرى أصغر في البلاد، كحزب العمال الشيوعي البيلاروسي، المرتبط بحزب العمال الشيوعي الروسي، والذي يتبنى "موقفاً نقدياً" تجاه لوكاشينكو، و هو حزب لم تعترف به السلطات كحزب سياسي ولا يمكنه المشاركة في العمليات السياسية، و جرت مواجهته في الماضي عبر ممارسات قمعية من قبل الدولة البرجوازية على غرار مواجهتها لأية نضالات عمالية.
الانتخابات الرئاسية لعام 2020. الخلفية والنتائج
استبعدت السلطات البيلاروسية خلال فترة ما قبل الانتخابات، و بذرائع مختلفة العديد من المرشحين للرئاسة.
و على هذا النحو، استبعد على سبيل المثال فيكتور باباريكو، وهو مصرفي، و حتى أيار\مايو 2020 كان رئيس مجلس إدارة شركة "بيلغازبرومبنك" المملوكة بنسبة 49٪ من شركة غازبروم الروسية و بنسبة 49٪ من مصرف غازبرومبنكالروسي أيضاً. و هو الذي بعد رفض ترشيحه، تم سجنه من قبل السلطات البيلاروسية لتورطه في فضيحة مالية.
كما و لم يسمح لفاليري تسيبكالو الترشح في الانتخابات، و هو الدبلوماسي الأسبق، و سفير بيلاروسيا الأسبق في الولايات المتحدة، ووزير خارجية أسبق و هو الآن رجل الأعمال، الذي لم يلجأ إلى أية دولة غربية بل إلى روسيا، من حيث يقوم بقذف "حِممه" ضد لوكاشينكو.
و قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية، اعتقلت السلطات البيلاروسية 32 مواطناً روسياً "سياح حرب" كما يُلقب أولئك الذين يعملون في الجيوش العسكرية الخاصة. و اتهمتهم سلطات بيلاروسيا مباشرة بـ "الإرهاب"، في محاولة لخلق مناخ من "زعزعة الاستقرار"، وطلبت تفسيرات من روسيا، حيث من المعروف ارتباط "الجيوش الخاصة" المختلفة التي ظهرت في روسيا، وكذلك في الولايات المتحدة، بنحو أخطبوطي و متشعب بالهياكل الرسمية للدولة. حتى أن لوكاشينكو اتهم الطغمة الروسية والقوى السياسية الليبرالية الجديدة في روسيا بمحاولة الإطاحة به. حيث بإمكان الحبكة الكاملة لهذه القضية و مختلف السيناريوهات "المدغدغة" أن تملأ صفحات بأكملها، لذلك سنسجل هنا الرواية الرسمية التي أصبحت معروفة بعد تسليم هؤلاء للسلطات الروسية، و هي أنهم وقعوا "ضحايا" أجهزة المخابرات الأوكرانية التي وجَّهتهم إلى بيلاروسيا بعد خداعهم، من أجل إحداث أزمة في العلاقات بين بيلاروسيا و روسيا.
و في النهاية جرت الانتخابات ووفقاً للبيانات الرسمية، شارك بها أكثر من 84٪ من الناخبين المسجلين ، وأعيد انتخاب ألكسندر لوكاشينكو، الذي يُنتخب رئيساً للبلاد منذ عام 1994، بنسبة 80.1٪ من الأصوات.
و سجلت منافسته الرئيسية، سفيتلانا تيخانوفسكايا، زوجة سِيرغي تيخانوفسكي الذي استبعد أيضاً من الانتخابات، نسبة 10.1٪، و هي التي تطعن تماماً بالنتائج التي قدمتها اللجنة الانتخابية في البلاد وتدَّعي أنها الفائزة بناءاً على إحصاء اﻷصوات من قبل ممثلي المعارضة. هذا و من الواضح أن الزوجين تيخانوفسكي يحملان "أجندة" أكثر تأييداً للغرب من المرشحين المستبعدين الآخرين، اللذين كانا "يؤيدان تعاوناً دولياً مع جميع الأطراف". و على الرغم من ذلك، فهم جميعاً يروجون لتعميق الخصخصة باعتبارها "دواءاً شافياً". و في النهاية، لجأت تيخانوفسكايا إلى ليتوانيا، حيث شكلت "مجلساً تنسيقياً" يطالبلوكاشينكو بتسليم السلطة لها.
تطورات ما بعد الانتخابات
بعد الإعلان عن إعادة انتخاب ألكسندر لوكاشينكو اندلعت احتجاجات يومية في وسط مينسك ومدن أخرى، ترفع أعلاماً قومية و شعارات مناهضة للحكومة مثل "إرحل !" ووقعت صدامات بين المتظاهرين والشرطة و جرى قمع مكثف مع استخدام قنابل الصوت و الوميض و الهراوات والرصاص البلاستيكي وما إلى ذلك، مع اعتقال ما يقرب من 6 -7 آلاف ومقتل متظاهرين. و في الوقت نفسه، تمكنت قوى المعارضة من تنظيم إضرابات جماهيرية في العديد من الشركات الكبيرة في البلاد.
و هو عنصر جرى استنكاره من جانب السلطات باعتباره سعياً نحو "ثورة ملونة" بمشاركة الدول الأخرى في دعم قوى المعارضة، ولا سيما من بلدان البلطيق، وفي المقام الأول من ليتوانيا وبولندا، أي من بلدين عضوين في الاتحاد الأوروبي، و هما اللذان تُسجل بهما انتهاكات صارخة للحقوق والحريات الديمقراطية، كما هي الملاحقات الجارية ضد الشيوعيين. حتى أن سفراء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قاموا يوم 13\8 بوضع الزهور في المكان الذي قتل فيه متظاهر مناهض للحكومة.
و فيما يخص الاعتراف الدولي بنتائج الانتخابات حتى الآن، فإن قادة روسيا والصين وكازاخستان وأوزبكستان ومولدوفا وأذربيجان وطاجيكستان وقيرغيزستان وسوريا وفنزويلا ونيكاراغوا وفيتنام و تركيا و(رئيس وزراء لا رئيس جمهورية) أرمينيا، بعثوا برسائل تهنئة إلى ألكسندر لوكاشينكو. و في اتجاه معاكس تحرك الاتحاد الأوروبي، الذي لا يعترف بالنتيجة و قام بفرض عقوبات، كما فعلت الولايات المتحدة، وإن كان بنبرة أقل حدة مما اعتدنا عليه في السنوات السابقة.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات المساندة للوكاشينكو تجاوزت المفاجأة الأولى ونظمت أيضاً تحركات رفعت أعلام الدولة وشعار "لن نسمح بتفكيك البلاد".
و كان لوكاشينكو قد تحدث في إحداها، بينما ذهب أيضاً وتحدث إلى المضربين في مؤسسة كبيرة في مينسك. قد وصل وغادر بطائرة مروحية، و خلال حديثه دعا العمال ليحرصوا على ألا يفقدوا وظائفهم و لكي "لا يتم تفكيك البلاد" و دعاهم للبقاء "بعيداً عن السياسة".و هو بالطبع لم يتجنب تلقيه استنكار بعض المضربين.
و في الوقت نفسه، أدلى الرئيس البيلاروسي بعد تصعيد حدة الوضع السياسي، بتصريحات مختلفة "موالية لروسيا" وذكر أيضاً أنه على اتصال دائم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين و أن بإمكان قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي التدخل في بيلاروسيا إذا ما تصاعد تدخل الغرب. و أخيراً، ترك "نافذة" لإعادة الانتخابات، بعد إقرار الدستور الجديد للبلاد في استفتاء ذي صلة.
و كان الرئيس البيلاروسي قد حرَّك قوات عسكرية في غرب البلاد، مستشهداً بتعزيز قوى الناتو، وفي الوقت نفسه بدا مصمماً على إجراء محاكمة جنائية لأولئك الذين انضموا إلى "المجلس التنسيقي" الذي أنشأته تيخانوفسكايا، لمطالبته بـ "التنازل عن السلطة".
و بالطبع، في وقت كتابة هذا المقال، لا تزال الأمور في ميوعة، وهناك حراك كثير. و هكذا مثلا، فقد بعث السجين ف. باباريكو برسالة إلى بوتين، فيما تعهد ما يسمى بـ "المجلس التنسيقي" بأنه لا يعتزم زعزعة العلاقات مع روسيا. وتجدر الإشارة هنا إلى تصريح الرئيس البولندي الأسبق أ. كواسنيفسكي، الذي لعب "دوراً خاصاً"في الانقلاب العنيف في أوكرانيا. و هو الذي حذر الاتحاد الأوروبي من أن "كفاحه من أجل الإطاحة بلوكاشينكو يمكن، و بشكل غير متوقع بالنسبة له، أن يُحضر زعيماً مواليا لروسيا إلى السلطة في بيلاروسيا".
بعض الاستنتاجات المفيدة
تُظهر التطورات في بيلاروسيا بوضوح أن "عصا" سباق تتابع التدخلات الإمبريالية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في منطقة أوراسيا قد وصلت إلى بيلاروسيا أيضاً. و أن هدفها هو "تضييق الطوق" بنحو أبعد حول روسيا، لكي تستحوذ القوى الأوروأطلسية على "دعائم" اقتصادية و جيوسياسية ضمن مزاحماتها الإمبريالية البينية الشرسة مع القوى الأخرى في "الهرم" الإمبريالي، مثل روسيا والصين.
و لمرة أخرى، فهم يستغلون القوى التي مولوها بسخاء و دربوها لهذه الوظيفة، كما فعلوا في أوكرانيا، وهم "يجلبون" معهم أكثر ما هو رجعي وقومي متواجد في بيلاروسيا. حيث كانت جميع هذه القوى قد"التهبت" مع الطبقة البرجوازية التي "رُبيت" خلال سنوات حكم لوكاشينكو.
و هم الذين وجدوا "مادة قابلة للاشتعال" في الكثير في المشكلات و المآزق الاجتماعية التي أوجدها الطريق الرأسمالي في بيلاروسيا خلال السنوات الـ 26 الأخيرة لرئاسة لوكاشينكو، بينما أشتعل "الفتيل" من الوقاحة و القمع اللذين سعت بهما النخبة السياسية المهيمنة إلى إدارة الانتخابات ونتائجها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القيادة البيلاروسية "عالقة كإسفين" على وشك أن يُسحق داخل التناقضات الإمبريالية البينية الجارية بين قوى أعتى، والتي كانت قد سعت إلى استغلالها.
و في ظل هذه الظروف، هناك أهمية خاصة للتضامن مع شيوعيي بيلاروسيا و شعبها العامل، أن الشعب قادر على تنظيم صراعه المستقل و الواجب على أساس معيار مصالحه، و أن يتصدَّى للتدخلات الخارجية و يطالب بإرضاء حاجاته الشعبية المعاصرة، و يرسم طريقه من أجل الاشتراكية التي هي البديل الوحيد لمآزق مسار التطور الرأسمالي.
إليسيوس فاغيناس – عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني و مسؤول قسم علاقاتها اﻷممية
نُشر المقال في عدد صحيفة "ريزوسباستيس" الناطقة باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني، الصادر بتاريخ 22\8\2020