روابط المواقع القديمة للحزب

إن الصفحات الأممية للحزب الشيوعي اليوناني تنتقل تدريجياً إلى صيغة موقع جديد. بإمكانكم الوصول إلى النسخات السابقة للصفحات المحدثة سلفاً  و محتواها عبر الروابط التاليةَ:

 

استنتاجات من استراتيجية الحزب الشيوعي اليوناني في عقد 1940 في ضوء استراتيجية الحركة الشيوعية الأممية والاستنتاجات المستخلصة من البناء الاشتراكي في القرن اﻠ20

كلمة إليني بيلُّيو

عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني في اسطنبول 16-17 \2\2019

 

إن كل ذكرى تاريخية عظيمة هي فرصة لتقاطع البحث في أحداث تعتبر تاريخية مع التحليل العلمي للحاضر، و مع البحث عن اتجاهات وحتميات التطور الاجتماعي المستقبلي. على هذا النحو تقريباً، تطوَّر ليس فحسب عِلم التاريخ، بل و العديد من العلوم الاجتماعية الأخرى، و المقاربة النظرية للانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية، والنظرية التركيبية للشيوعية العلمية مع مكاسبها و نواقصها، أيضاً.

و في الحاصل و ضمن هذا اﻹتجاه، فإننا نعتبر الذكرى اﻠ100 لتأسيس الأممية الشيوعية، في آذار\مارس 1919، فرصة هامة، كما وتكريما للقاء أحزاب المبادرة الشيوعية الأوروبية في اسطنبول الذي سيقام يومي 16 و 17 شباط\فبراير 2019، بمبادرة من الحزب الشيوعي التركي.

و تجد هذه الذكرى الحزب الشيوعي اليوناني في فترة، حيث تقدَّم نحو مستوى جديد لدراسة فترة مهمة من تاريخه، و هي الممتدة  منذ تأسيسه وحتى بداية عقد 1950 وتشمل هذه الفترة عقد 1940 الحاسم، إننا نوصِّف هذا العقد  بالحاسم، نظراً لتطور الحرب العالمية الثانية الإمبريالية خلالها، و أيضاً فوق أراضي اليونان، حيث قاد الحزب الشيوعي اليوناني أهم جزء من كفاح المقاومة المسلحة التحررية المناهضة للفاشية ضد جيوش الاحتلال، من خلال منظمات جبهة التحرير الوطني، و جيش التحرير الشعبي اليوناني، ومنظمة الشباب اليوناني الوحدوية، ضمن اليونان، كما و عبر المنظمة العسكرية المناهضة للفاشية في الشرق الأوسط.

و خلال تطور هذا النضال، تشكلت  في اليونان خصوصا خلال فترة التحرير في تشرين اﻷول\أكتوبر 1944، ظروف وضع ثوري، أي ظروف زعزعة السلطة البرجوازية مع أزمة اقتصادية و سياسية معممة، و ضعف في وظيفة الآليات القمعية ومؤسسات الحكم التي كانت بحوزة الطبقة البرجوازية في اليونان، و هي التي أضعفت بالتالي، قدرتها على التلاعب بالأغلبية الشعبية.

و من الناحية الأخرى، امتلك الحزب الشيوعي اليوناني موقعا هاما و نفوذاً في المنظمات العسكرية والسياسية والاجتماعية المسيطرة في المناطق المحررة، لكنه لم يتمكن من استغلال هذه الظروف، من أجل القيام بمواجهة ناجزة و مخططة بشكل صحيح ضد السلطة البرجوازية، بمبادرة منه تهدف إلى عزل الطبقة البرجوازية و احزابها وحلفائها الأجانب، و أن يكافح من أجل الاستيلاء على السلطة. وبكلام آخر، لم يتمكن أن يطور النضال التحرري المسلح بوعي و تخطيط إلى ثورة اشتراكية، و هو أمر كلَّف الحزب الشيوعي اليوناني والقوى الاجتماعية التي مثَّلها، أي الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء و المفكرين الشعبيين، خمسة أعوام قاسية من العدوان المسلح الذي شنته الطبقة البرجوازية وحلفائها الأنكلوأمريكيين، حتى تمكنوا من إعادة تأسيس السلطة البرجوازية.

لقد درس الحزب الشيوعي اليوناني تاريخه  "دون حرج" دون أن يخاف الحقيقة، كما حَّضنا لينين. و عمم استنتاجاته ليس فقط على أعضائه، بل و على العلن، و تحمل بنحو نقدي ذاتي ثِقل أخطاء الاستراتيجية و أسسها النظرية، حيث من الثابت أن ممارسات الحزب الشيوعي اليوناني تلك الفترة، تبرهن عدم امتلاكه نية الخضوع للرأسمالية.

إننا نحتسب تحمل حزبنا و قيادته المسؤولية اﻷولى، لأننا لم نستطع إدراك ضرورة الفكاك من الأوهام حول التعاونات السياسية مع قطاعات من الطبقة البرجوازية التي اعتبرناها ديمقراطية ومناهضة للفاشية و "محبة للسلم". و بالتأكيد فإن ذلك هو من مسؤوليتنا، لأننا تقدمنا نحو اتفاقيات لبنان وكاسيرتا لتشكيل حكومة وحدة وطنية و جيش وطني، مما أخضع جوهرياً، القوى الشعبية المسلحة إلى القوات البريطانية- اليونانية البرجوازية، و ألغى الهيئات الشعبية التي تشكلت في المناطق المحررة، و مهد الطريق إلى إعادة تنظيم الطبقة البرجوازية و قلب ميزان القوى على حساب القوى العمالية الشعبية. إن ذلك هو مسؤوليتنا لأن هذا الوهم قاد القوى العمالية الشعبية في معركة أثينا في ديسمبر 1944 نحو الدفاع، لا الهجوم، لأننا مضينا الى اتفاق فاركيزا، الذي سلمنا ضمنه سلاح جيش التحرير الشعبي اليوناني .

لقد كان حزبنا منغلقاً في خط ما يُسمى الجمهورية الشعبية، الذي تضمَّن من ناحية الأهداف السياسية إلغاء المَلَكيِّة وعقد جمعية تأسيسية في ظروف ديمقراطية برجوازية. و كان ممتلكاً لجبهة على جانب واحد جانب ضد المنظمات العسكرية و غيرها، التي تعاونت مع قوى اﻹحتلال الفاشي، لا ضد تلك المنظمات والأحزاب السياسية التي تمكنت و بالتأكيد من النهوض بعد تلقيها  تعزيزاً عسكرياً هاماً من قبل الامبريالية البريطانية وثم الأمريكية الشمالية، اللتين اُضنيتا من أجل احتواء الحزب الشيوعي اليوناني و تحييد نفوذه السياسي والعسكري، و من أجل إعادة ميزان القوى لصالح السلطة البرجوازية.

ونحن نقدِّر أن الحزب الشيوعي اليوناني لو امتلك حينها النضج الأيديولوجي والسياسي، لكان قد صحَّح استراتيجيته في أتون الصراع الطبقي في سنوات 1943-1945، و لكان بالتالي قد خلق ظروفاً أفضل من اجل انتزاع  دعم متكامل من الأحزاب الشيوعية المتواجدة في السلطة، في الاتحاد السوفييتي و بلدان البلقان المجاورة.

و نعتقد أن ذلك لكان إسهاماً أفضل بكثير في نضال القوى الشيوعية المكافحة من أجل بناء مجتمع جديد، كما و في النضال ضد العدوان الإمبريالي الجديد ضدها.

و مع ذلك، لا يمكننا أن نغفل عن أخطاء استراتيجية مماثلة، جرت في إيطاليا المجاورة، ولكن أيضا في بلدان أخرى، حيث لم يكن ربما ميزان القوى مواتياً بذات القدر.

لا يمكننا ألا نعود إلى علاقة هذا الرؤية الاستراتيجية لحزبنا مع الرؤية الاستراتيجية للأممية الشيوعية في عقدي 1930 و 1940، و ألا نتجاهل تأثير الاستراتيجية التي اعتمدها مؤتمر اﻷممية الشيوعية اﻠ7، في استراتيجية الحزب الشيوعي اليوناني (المؤتمر اﻠ6 عام1935). و لا يمكننا أن نغفل عن توجيهات الحزب الشيوعي السوفييتي المتناقضة أو المثبطة للحزب الشيوعي اليوناني في الفترة 1945-1947 فيما يتعلق بالتطوير الشامل للصراع الطبقي المسلح، ولكن أيضا، باتجاه الهدف السياسي الطوباوي لما يسمى ﺑ "التطبيع السياسي".

إن فحص تطور نضال الحزب الشيوعي اليوناني أثناء الحرب العالمية الثانية الامبريالية و الخمس السنوات التي تلته، لا يمكن أن يقوم بمعزل عن فحص خط صراع الحركة الشيوعية الأممية، التي كان الحزب الشيوعي اليوناني و عن وعي يشكل جزءاً منها، و بمعزل عن واقعة انتفاء كيان الحركة الشيوعية الأممية في صيغة الاممية الشيوعية بعد عام 1943.

و لا يمكننا ألا نحول تفكُّرنا نحو العناصر المشتركة لبرنامج  جبهة التحرير الوطني، من ناحية الفصل بين الملكية الرأسمالية الكبيرة جدا، بنحو رئيسي للاحتكارات الأجنبية، عن الملكية الرأسمالية المتوسطة الحجم و الموصَّفة أيضا كممتلكة لتوجه وطني، مع الموقف المقابل لسلسلة من الأحزاب الشيوعية التي أصبحت أحزاب سلطة بعد الحرب العالمية الثانية، في وسط وشرق أوروبا، و في الصين.

و بهذا المعنى فإننا نعتقد أن الاستنتاجات من دراسة استراتيجية الحزب الشيوعي اليوناني لها جذور في استنتاجات أعمق، متعلقة باستراتيجية الحركة الشيوعية الأممية، و لكن و في مسائل نظرية الثورة الاشتراكية والبناء الاشتراكي - الشيوعي. و هي التي يعود أساسها بدرجة هامةإلى مشاكل تأخر نظري متعلق على حد السواء بظواهر التطور الرأسمالي قبل الحرب العالمية الثانية و ببناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، وانعكاسها في ميدان الاستراتيجية.

لم تتمكن أكثر اﻷحزاب الشيوعية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين و بعدها، من التأكيد العملي لطليعيتها اﻷيديولوجية  والسياسية، علينا ألا نخاف من اﻹعتراف أن هذه لم تتمكن من البروز بنحو طليعي في تطوير نظرية الصراع الطبقي الثوري، وهذا ما أثر سلبياً على تطوير الاستراتيجية الثورية. و من هذا تنبع أزمة الحركة الشيوعية الأممية، وعدم القدرة على المواجهة  الناجزة للانتهازية قبل نضوجها نحو خيانة علنية داخل اﻷحزاب الشيوعية عينها، وتحويلها إلى حوامل ثورة مضادة بنتيجة انتصارها في سلسلة من بلدان البناء الاشتراكي.

لقد درس بعمق ماركس و إﻧﮔلز و لينين هزائم ذات نطاق أصغر بكثير للحركة العمالية الثورية، مثل هزيمة كومونة باريس و ثورة 1905-1907 في روسيا من أجل التوصل إلى نتائج من شأنها تعزيز الحركة العمالية الثورية.

إننا مدينون كأحزاب شيوعية بالقيام بالشيء ذاته. علينا أن ندرس في المقام اﻷول بنحو أكثر نفاذاً،  تاريخ الاممية الشيوعية و أشكال التعبير اللاحقة للحركة الشيوعية الأممية، كالكومينفورم على سبيل المثال والمؤتمرات الأممية للأحزاب الشيوعية و العمالية.

إن الحزب الشيوعي اليوناني هو في صدد عملية مماثلة و هي التي لم تكتمل بعد. إننا نطرح في لقائنا هذا بعض الإشكاليات والاستنتاجات الأولية، و نطمح نحو مواصلتها ربما في 2019، من خلال تنظيم يوم فعاليات شيوعية أممية. ما هي هذه الإشكاليات والاستنتاجات الأولية :

لقد دمغ تأسيس الأممية الشيوعية قبل 100 عام و بالتأكيد، قيام قفزة تاريخية كبيرة في التقدم الاجتماعي عبر انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917.

حيث دخلت البشرية للمرة الأولى عملية اﻹنتقال الثوري من الرأسمالية إلى الاشتراكية - الشيوعية، دخلت بنحو زاخم كنَّس عناصر ما قبل الرأسمالية و حتى عناصر المجتمع البدائي المتبقية على قيد الحياة في آسيا الشاسعة.

وكان العامل الحاسم في هذا التسريع للتطور الاجتماعي متمثلاً في الجهوزية و القدرة الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية  لحزب البلاشفة الشيوعي، كطليعة للحركة العمالية في روسيا.

و بالتأكيد  كان لقدرة حزب البلاشفة الشيوعي و مستوى نضجه، أيضاً تأثيرهما في تأسيس اﻷممية الشيوعية و تشكيل سلسلة من اﻷحزاب الشيوعية في كل أنحاء العالم. و على الرغم من ذلك، فقد ثبت أن عملية مباشرة الانتقال الثوري من الرأسمالية إلى الاشتراكية - الشيوعية في أوروبا، صعبة للغاية. فقد تطلبت تشكيل حزب شيوعي بنحو ناجز أكثر و في انفصال كامل للثوريين عن الاجتماعية الديمقراطية، لا سيما في بلدان كألمانيا وهنغاريا وفنلندا وإيطاليا، التي تشكَّلت بها ظروف الثورية في نهاية الحرب الإمبريالية العالمية اﻷولى.

و لم تنضج سلسلة من الانتفاضات العمالية الشعبية و حتى المسلحة في بلدان أوروبا،  كثورات اشتراكية بسبب ضعف العامل الذاتي، و غياب حزب شيوعي ذي معالجة استراتيجية ثورية مناسبة. حيث تمظهر هذا خصوصاً في ألمانيا، خلال فترة 1918-1923. و ترك ختما سلبياً على الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية، على الأقل بالنسبة لأوروبا.

و كان هناك خلال فترة ما بين الحربين صراع حول مسألة الاستراتيجية وضمن هيئات الأممية الشيوعية وفي هيئات فروعها الوطنية.

هذا و لم تتجاوب الأحزاب الشيوعية في المجتمعات الرأسمالية الأكثر نضجا، بنجاح مع ضرورة الاستعداد الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي، للإنتقال من ظروف الشرعية البرلمانية إلى ظروف الأزمة الاقتصادية المعممة، التي جلبت أيضاً ظروف سياسية لحكم جديد فاشي، و عدوانات عسكرية إمبريالية و غيرها. بل على العكس، فقد أصبحت هذه اﻷحزاب الشيوعية حوامل ضغط انتهازي داخل الاممية الشيوعية مع مواقف تفكيكية باسم الاستراتيجية الوطنية.

و من ناحية أخرى، عاش حزب البلاشفة الشيوعي مشاكل الصراع الطبقي في ظروف البناء الاشتراكي و التي تمظهرت كصراع  ضمن صفوفه أيضاً، في ظل الخوف من عدوان إمبريالي جديد في عقد 1930.

و بالتأكيد، فإن ميزان القوى الاجتماعي الداخلي و توازن القوى الأوروبي، كان يتطلبان مستوى جديداً أعلى للمعالجة النظرية، وليس فقط لقضايا البناء الاشتراكي  بل و لاستراتيجية الحركة الشيوعية الأممية من اجل ظروف عقد 1930 القادم، حينها. حيث لم يكن تعميم خبرة حزب  البلاشفة الشيوعي كافياً، و هو المتعلق بثورتي أو بمرحلتي العملية الثورية الواحدة في دولة برجوازية غير مكتملة، و هو الذي كان موجهاً بنحو أساسي إلى الصين والهند. حيث احتوى على مخاطرٍ، تعميمُ إمكانية انتزاع قوى برجوازية  خلال الثورة الأولى (أو المرحلة الأولى)، وهي التي كانت القوى العمالية الفلاحية الثورية ستنفصل عنها خلال الثورة الثانية (أو المرحلة الثانية).

و في المزيد من تعميم التسامح تجاه قوى الملكية الخاصة، لعبت دورها أيضاً، الصعوبات التي واجهها اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية عند خروجها من الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي، و تبعات السياسة الاقتصادية الجديدة التي كان قد اتبعها، والصراع من أجل موقف في مواجهة الفلاحين المتوسطين المتوسطين، و هو التعميم الذي تطور و تعزز خلال المسار بعد إضعاف الكولاك.

إننا نجرؤ على القول أن صعوبات الصراع الطبقي على كِلا جانبي الحركة العمالية الثورية - في الغرب الرأسمالي و في البناء الاشتراكي - لم تواجه  بكفاءة نظرية وسياسية مماثلة. إن هذا أيضا متعلق أيضاً بمسألة الفاشية. لقد تبنى المؤتمر اﻠ7 للأممية الشيوعية استراتيجية الجبهات الشعبية المناهضة للفاشية، التي طالبت بحكومة فوق أرضية الرأسمالية، قبل و بعد الحرب العالمية الثانية، كصيغة انتقال نحو سلطة العمال. و سَعَت نحو التعاون مع القوى السياسية الديمقراطية الاجتماعية، و حتى مع قوى برجوازية ديمقراطية، مع عزل العدو الفاشي عن العدو المتمثل في الطبقة البرجوازية التي شاركت في الحرب الإمبريالية و استغلت الطبقة العاملة و خلقت الفاشية و استغلتها. وهكذا، لم تتمكن هذه الجبهات من ربط كفاح التحرير المسلح ضد الفاشي بالنضال من أجل الظفر بالسلطة العمالية.

إننا نعتقد أن تبني خط الصراع الموصَّف أعلاه، لكان قد خلق ميزان قوى دولي أكثر موائمة للدفاع عن الاتحاد السوفييتي ضد العدوان الفاشي وأي عدوان إمبريالي آخر.

كما و سارية المفعول هي الملاحظات حول ضعف العامل الذاتي، أيضاً في فترة ما بعد الحرب، على الرغم من بدء عملية الانتقال نحو الاشتراكية في بلدان أوروبا التي لعب الجيش الأحمر و الاتحاد السوفييتي إجمالاً، دوراً  حاسماً من أجل تحريرها ودعم الاحزاب الشيوعية في السلطة. و من ثم بدأت هذه العملية في آسيا، و بنحو أهم في الصين، و لم تكن خالية من الصدامات، ثم فقدت زخمها و سماتها الثورية.

و في عدة حالات، على سبيل المثال في الصين، ولكن أيضا في معظم بلدان أوروبا الوسطى والشرقية (كبولندا والمجر)، أظهر الحزب الشيوعي تسامحاً مع الملكية الرأسمالية، وأكثر من ذلك بكثير، مع الإنتاج الزراعي الفردي البضاعي، في حين تعميمه لاحقاً (مثلا في  الاتحاد السوفييتي و الصين) للعلاقات البضاعية النقدية أيضاً بين مؤسسات القطاع الاجتماعي. حيث تطورت فوق هذه اﻷرضية القوى الاجتماعية للثورة المضادة.

و في العقد الأخير من القرن العشرين، سيطرت الثورة المضادة، عبر إغلاق هذا المشروع الأول للانتقال التاريخي من الرأسمالية إلى الاشتراكية، باعتبارها طوراً غير ناضج للشيوعية.

و من النتيجة، واضح هو ضعف العامل الذاتي. ومع ذلك، فنحن مدينون ايضا بدراسة أرضية التناقضات الاقتصادية والاجتماعية التي تطور الضعف الذاتي فوقها. لكي نبحث و نكتشف الخصائص المشتركة، و الحتميات الاجتماعية التي تحكم التقهقر الاجتماعي، أكانت في شكل انتصار الثورة المضادة في البلدان التي بدأ فيها البناء الاشتراكي الثوري، أو في شكل هزيمة  الانتفاضات أو الثورات العمالية الشعبية.

و مع  دراسة الحزب الشيوعي اليوناني لتاريخها في ترابط مع تاريخ الحركة الشيوعية الأممية، طبع استنتاجات بحوثه في قرار مؤتمر من أجل الاشتراكية في القرن اﻠ20 ضمن مجلدات استقراء تاريخ الحزب الشيوعي اليوناني و دمجها في معالجة برنامجه.

حيث نميّز المسألة الأساسية التالية:

إن الطبقة العاملة لا تتقاسم السلطة مع أي قوة اجتماعية أخرى وهذا متعلق بالقوى المتحالفة معها من العاملين لحسابهم، بنحو  أساسي في الانتاج الزراعي أو في بعض الخدمات المحدودة (على سبيل المثال: التجميل، والنظافة، والإطعام).

إن هذا هو موقف برنامجي أساسي، حاسم من اجل طابع السلطة العمالية، و أسلوب تنظيم الطبقة العاملة و هو الذي لا يلغي فحسب مستغلي الطبقة، بل و يعيد صياغتها و يطورها باعتبارها طبقة سائدة  تمثل الإنتاج الاجتماعي المباشر.

و من هذا الموقف ينبثق:

تنظيم الطبقة العاملة من أسفل إلى أعلى، مع مرجعية موقع العمل، مع نواة اجتماع الجمعية العمومية و انتخاب ممثلين ومندوبين من أجل المجالس العمالية و القطاعية، الممتلكة لصلاحيات كاملة في اتخاذ القرارات و تنفيذها و رقابتها و الحفاظ على القانون الاشتراكي في نطاق مسؤوليتها.

إن تشكيل الهيئات الثورية على المستوى المركزي، ليس له أية علاقة مع طفرات أو تحولات الهيئات المركزية البرجوازية (كالبرلمان والحكومة).

و لهذا و في كل الأحوال، فإن أي منح واعٍ للحقوق نحو العاملين لحسابهم، هو محدد و مميز و له سمة مرحلية، على سبيل المثال لمجالس المزارعين التعاونيين، و لنسبة تمثيلهم في هيئات السلطة المركزية.

إن هدف السلطة العمالية الثورية هو تنظيم ودمج جميع القادرين على العمل في الإنتاج الاجتماعي المباشر أو في الخدمات الاجتماعية، وبالتالي، فهو أيضاً، إلغاء مخطط للإنتاج الفردي البضاعي أو للخدمة المماثلة .

حيث لا ينبغي أن تتوقف فقط قوة العمل بعينها عن كونها سلعة، بل و منتجاتها، مما يعني أن العلاقات البضاعية النقدية ستلغى، و ستعاد صياغة توزيع الإنتاج الاجتماعي عبر إعدادات ذات سمة محاسبية، يتمثل منطلقها في وقت إنتاج المنتج و تخزينه، و في المستوى العام للحاجات المتشكلة، و في غيرها من المعايير الاجتماعية الخاصة، كحاجات  الأطفال والنساء والمسنين والمرضى المزمنين، مثلاً.

إن الهدف من السلطة العمالية الثورية ليست مجرد تخفيض وقت العمل العام، بل وتحويل العمل من قسري لضمان سبل العيش إلى وسيطة إبداع، و من إكراه إلى حاجة واعية. و بالطبع، فإن هذا يتطلب تطويراً أكبر بكثير و متناسباً للقوى المنتجة، و لجميع أعضاء المجتمع الاشتراكي، والقضاء على الفوارق الاجتماعية والتناقضات، مثل التناقض بين العمل الفكري واليدوي، و بين العمل اﻹشرافي والعمل التنفيذي، وبين المدينة والريف، بهدف التحديث الحضري لكل حاضرة والربط الصناعي لكل وحدات الإنتاج الزراعي. كما و ينطبق الإلغاء المخطط للملكية الفردية أو التعاونية على الإنتاج الزراعي. و الى جانب ذلك، بإمكان المنجزات العلمية والتكنولوجية الحديثة حماية الأرض والبيئة بشكل عام، وعامل الأرض والمنتج الزراعي من الكوارث الطبيعية، من خلال المكننة و الأتمتة الواسعة النطاق و صياغة بنية تحتية مخططة مركزياً.

و في التحليل اﻷخير، ينبغي تأكيد الدور اﻹرشادي الأيديولوجي السياسي و التنظيمي للحزب الشيوعي في الظروف الجديدة للبناء الثوري للمجتمع جديد، و في صياغة علاقات اجتماعية جديدة في جميع مظاهر المجتمع، و جميع مجالات النشاط، بنحو  يخلق مقدمات إلغاء عدم المساواة الاجتماعية بل و داخل الطبقة العاملة نفسها. و أن يقوم تدريجياً ولكن و بثبات باستبدال  آليات قسر حتى الطبقة العاملة بعينها، بآليات إدارتها الذاتية.

إن تاريخ الحركة الشيوعية في القرنين اﻠ20 واﻠ21 يُبرز ضرورة اﻹنشغال الأعمق بالحتميات المتعلقة بالحزب الشيوعي، و بدوره اﻹرشادي في تأسيس و توسيع و سيطرة كل العلاقات الاجتماعية الجديدة (الشيوعية)، و في تشكيل الطراز الجديد للعامل كمنتِج ومدير للمنتوج اجتماعي، كمنظم ومدافع عن الإنتاج الاجتماعي و عن الملكية الاجتماعية. إن هذه المسألة تتعلق بحتميات من ناحية التجديد الدائم للطليعة الثورية و التعبير عنه في الهيئات القيادية، و القدرة على الاستطلاع والتقييم و عدم التسامح مع المواقف الانتهازية، و ما إلى ذلك.

على الرغم من قفزات الفترة الأولى للبناء الاشتراكي، في المقام اﻷول في الاتحاد السوفييتي، ولكن و في غيره ، في الصين مثلاً، فإن اﻷحزاب الشيوعية للسلطة لم تتجاوب مع متطلبات صياغة المجتمع الشيوعي الجديد، لا على المستوى النظري و لا على المستوى العملي، و في خوض معارك أيديولوجية سياسية و اجتماعية في الداخل، لصالح البناء الشيوعي.

و خلال المسار، قام تقارب انتهازية أحزاب شيوعية لبلدان عاتية مع انتهازية اﻷحزاب الشيوعية المتواجدة في السلطة بنزع سلاح الحركة العمالية،عالمياً، و جعلت منها مُشاهِدةً للثورة المضادة المتصاعدة في بلدان البناء الاشتراكي.

وخلاصة القول:

في أوائل القرن اﻠ20، أدت بعض بقايا ما قبل الرأسمالية إلى تأخير تشكيل سلطة برجوازية خالصة في بلدان مثل روسيا القيصرية والصين وغيرها. و كان هذا التأخير يتمظهر أيضاً في وجود المزارعين، كأغلبية في سكانها، و هو الذي على الرغم من أنه أعطى الفرصة لجر انقضاض انتفاضتهم مع الثورة البروليتارية، فقد شكَّل ثقلاً هاما أثناء بناء المجتمع الجديد، و في تجاوز العلاقات الرأسمالية هناك حيث لم تكن قد تشكلت.

و من ناحية أخرى،،  فقد مكن الاستغلال الاستعماري والبضاعي عموماً للقوى المنتجة و لثروات البلدان الأخرى، في البلدان الرأسمالية المتطورة من شراء الحركة العمالية بنحو جماعي، و من إدماج الحركة العمالية السياسية ضمن حدود الشرعية البرجوازية، و ضمن خيارات صيغ السلطة البرجوازية، كصيغة البرلمانية البرجوازية. و زرع رؤى الطوباوية أو انتهازية عن وعي، حول قوى سياسية برجوازية "محبة للسلام"، و قوى برجوازية "متسقة" ضد الفاشية، متجاوزاً حقيقة أن الرأسمالية نفسها هي الرحم الذي يلد الفاشية، و يلد جميع أشكال اﻹنزياح عن مسار البرلمانية البرجوازية و جميع أشكال الحرب الإمبريالية.

إن هذا الاستنتاج هو أساسي لإعادة التشكيل الأيديولوجي - السياسي - التنظيمي للحركة الشيوعية الأممية. و هو متعلق بكل حزب شيوعي في أية قارة كانت، و بأحزاب شيوعية في البلدان التي تشتعل بها الحرب الإمبريالية، سلفاً،  كما هو الحال في الشرق الأوسط، أو بأحزاب شيوعية في بلدان مطلة على المتوسط و البلقان، حيث تتلبد التناقضات و المزاحمات الامبريالية وغيوم الحرب.

إننا نعرب عن أملنا في أن مبادرة الحزب الشيوعي التركي وتحقيق هذا اللقاء، سيسهمان في تطوير الوحدة الاستراتيجية الثورية للحركة الشيوعية في منطقتنا، في أوراسيا و العالم.